عقوبة السجن مخالفة للإسلام
دعوة الى اصلاح النظام العدلي في السودان
لا تجيز الرؤية الإسلامية عقوبة السجن، اذ لا توجد جريمة في الإسلام عقوبتها السجن ، كونها عقوبة إضافية تخالف مبدأ المماثلة العادلة في القصاص، ولذلك لا نجد في التصور الإسلامي جريمة عقوبتها السجن ولم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه ، كون ان حياة الانسان هبة من الله يحرم منعه من التمتع به وسجنه عدوان عليه وعلى أسرته ومجتمعه ، وفي ذلك تعدي على كرامة الانسان وحرمانه من حقه في ممارسة الاستخلاف، يقول تعالي: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك/15}. ويقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء 64/65}، ويقول: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا {النساء 105/106}، ويقول: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الناس لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ {المائدة49/50}.
والواقع ان عقوبة السجن اتباع للهوي والاستكبار والاستبداد، تماما كما كانت هي أداة استكبار فرعون في استبداده على غيره من الناس ، وهو الذي كان يقول للرسول موسي عليه السلام: قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ {الشعراء /29}، كما كانت عقوبة السجن من قبل ملك مصر للرسول يوسف عليه السلام، حالة ظلم اخري عاشها الرسول الكريم يوسف عليه السلام، يقول تعالي: قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ * وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف 32/36}.
ويقول: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ {يوسف 39/42}.
اما سنة النبي صلي الله عليه وسلم فقد كانت هي عدم توظيف عقوبة السجن وامامه الكثير من المتهمون بالكفر والنفاق وما حبس منهم أحدا. اما حبس النبي صلى الله عليه وسلم "ثمامة بن أثال" بالمسجد أياما فانه لم يكن من باب العقوبة بل من باب الأسر لمنعه من الهرب حتى قيام الحكم عليه بالإدانة او البراءة، أي ان الحبس المشروع في التصور الإسلامي ليس عقوبة على جريمة بل هو لمنع من عليه حق للغير أو حد أو تهمة من الفرار حتى يستوفى منه الحق والحد أو يستبرأ . كما انه ليس هناك جريمة في الإسلام عقوبتها السجن وأما الحبس للحق فشيء آخر، اذ ان هناك ثمة فرق كبير بين الحبس احتياطا لاستيفاء الحق ومنع المتهم من الهرب.
والحق ان ثمة فرق بين حبس "ثمامة" بالمسجد وليس بالسجن والمسجد ليس سجناً في المعروف المشاع، وبين السجن كعقوبة على جريمة ما كونه لم تشرع هكذا عقوبة في الإسلام قط، ولذلك فانه لم يكن للنبي ولا أبي بكر (رض) سجن بالمعنى المعارف عليه في تاريخ المسلمين او في نظم العدالة الوضعية. أي ان عقوبة السجن سنة استنها فرعون والقانون الوضعي وتاريخ المسلمين كعقوبة بالحدود الشرعية وتعطيلها عدوان على الخلق بالظلم وعلى الحق سبحانه وتعالى بالاعتراض والاستدراك، ومن ثم ملأت السجون بقضايا سياسية أو مدنية لا يحل سجنهم فيها كالمدينين المعسرين أو جنايات لها عقوبات منصوصة كالقتل او السرقة او القذف...الخ.
والواقع ان عقوبة السجن اتباع للهوي والاستكبار والاستبداد، تماما كما كانت هي أداة استكبار فرعون في استبداده على غيره من الناس ، وهو الذي كان يقول للرسول موسي عليه السلام: قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ {الشعراء /29}، كما كانت عقوبة السجن من قبل ملك مصر للرسول يوسف عليه السلام، حالة ظلم اخري عاشها الرسول الكريم يوسف عليه السلام، يقول تعالي: قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ * وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف 32/36}.
ويقول: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ {يوسف 39/42}.
اما سنة النبي صلي الله عليه وسلم فقد كانت هي عدم توظيف عقوبة السجن وامامه الكثير من المتهمون بالكفر والنفاق وما حبس منهم أحدا. اما حبس النبي صلى الله عليه وسلم "ثمامة بن أثال" بالمسجد أياما فانه لم يكن من باب العقوبة بل من باب الأسر لمنعه من الهرب حتى قيام الحكم عليه بالإدانة او البراءة، أي ان الحبس المشروع في التصور الإسلامي ليس عقوبة على جريمة بل هو لمنع من عليه حق للغير أو حد أو تهمة من الفرار حتى يستوفى منه الحق والحد أو يستبرأ . كما انه ليس هناك جريمة في الإسلام عقوبتها السجن وأما الحبس للحق فشيء آخر، اذ ان هناك ثمة فرق كبير بين الحبس احتياطا لاستيفاء الحق ومنع المتهم من الهرب.
والحق ان ثمة فرق بين حبس "ثمامة" بالمسجد وليس بالسجن والمسجد ليس سجناً في المعروف المشاع، وبين السجن كعقوبة على جريمة ما كونه لم تشرع هكذا عقوبة في الإسلام قط، ولذلك فانه لم يكن للنبي ولا أبي بكر (رض) سجن بالمعنى المعارف عليه في تاريخ المسلمين او في نظم العدالة الوضعية. أي ان عقوبة السجن سنة استنها فرعون والقانون الوضعي وتاريخ المسلمين كعقوبة بالحدود الشرعية وتعطيلها عدوان على الخلق بالظلم وعلى الحق سبحانه وتعالى بالاعتراض والاستدراك، ومن ثم ملأت السجون بقضايا سياسية أو مدنية لا يحل سجنهم فيها كالمدينين المعسرين أو جنايات لها عقوبات منصوصة كالقتل او السرقة او القذف...الخ.
من حيث المبدأ فان تبرير العقاب في التصور الإسلامي، يظهر في إن إنزال العقوبة بالجاني قضية أخلاقية تجد تبريرها في مخالفة الانسان لأحد حدود وحرمات الحقوق الإلهية أو الفردية أو الاجتماعية الوارد في القران الكريم، باعتبار إن التصور الإسلامي يعتبر بعض الأفعال جرائم ويعاقب عليها لحفظ الحقوق ولصيانة العهود التي يقوم عليها المجتمع الاسلامي، ولضمان بقاءه قوياً متضامناً متخلقاً بالأخلاق الفاضلة، فالله تعالى الذي شرع هذه الأحكام وأمر بها، لا تضره معصية عاص، ولو عصاه أهل الأرض جميعاً، ولا تنفعه طاعة مطيع ولو أطاعه أهل الأرض جميعاً، ولكنه كتب على نفسه الرحمة بالناس ، ولم يرسل الرسل إلا رحمة للعالمين لاستنقاذهم من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة، ولكفهم عن المعاصي وبعثهم على الطاعة.
بمعنى إن العقوبات وعلى المستوي الفلسفي لا تعتبر إلا باعتبار الرسالة المنزلة لها، فهي تنشأ بدلالة سياقاتها، وتوجد بهدي خطاباتها، دلالة مباشرة تستخرج بتأويل السياق القرآني، ومن ثم فان القران الكريم هو مصدر العقوبات وجوداً وعدماً، اعتباراً وتنظيماً وانقضاءً. لا اقوال الفقهاء ولا أفعال الخلفاء الكرام
وعلى هذا فإن العقوبات مطلقاً يجب أن تدخل تحت طائلة الأحكام الإلهية لا أن توضع بحسب أهواء الحكام ومستشاريهم من القانونيين، أو تترك لتقديرات المشرعين واتجاهاتهم الأيدلوجية وولاءهم الاجتماعي، فان في ذلك باب واسع للظلم والفساد في الأرض، يقول تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء/65}، ويقول: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ الناس وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {المائدة /44}
والمعني إن معيار الحقوق لا يمكن إلا أن يعينه القران الكريم نفسه، فكل ما عده القرآن واجباً أو حقوقاً أو محرماً كان واجباً وحقوقاً ومحرماً، وكل ما عده ظلماً وضرراً كان كذلك، وليس للبشر مدخل في تحديد ذلك. ومن هنا فان التطاول على هذا المبدأ، أو تفويته، يعد جرماً في حد ذاته يستوجب الجزاء. بوصفه إهداراً للعدالة المطلقة، وهكذا فالكفر أو الارتداد أو شرب الخمور أو الزنا أو العدوان على أموال الآخرين، تعد من الأعمال المنحرفة لان فيها انتهاكاً للحقوق التي اقرها القران الكريم، وهي في الحقيقة تمثل تهديدا للأخلاق ولأصول المجتمع وميثاقه وللملكية الفردية والعامة، ولذا وضعت عقوبات لمن يرتكبها. ولا يكون ذلك إلا باسترجاع الحق المغصوب من الظالم، وإنزال القصاص العادل بالجاني، أو إجبار المعتدي على تعويض الضحية...الخ .
بيد ان الإقرار بأن القران الكريم "الحق" هي مصدر العقوبات وطبائعها فيما يخص العقوبات الحدية، والتي هي في الأساس أفعال محددة إلا إن النقاش لا ينتهي عند هذا الحد، بل يبدأ من جديد حول مسالة العقوبات التقديرية العارية عن الذكر في القران الكريم على وجه الخصوص، كما هو الحال مع جرائم: القتل، السرقة، الفواحش الأخلاقية، والقذف. والتي يفوض أمرها إلى اجتهاد القضاء، أعنى الأفعال التي عليها عقوبة تقديرية ولم يرد لها ذكر خاص، في القرآن وسنته، بل نتأول ذكرها مجملة تحت معني الحرابة والفساد في الأرض، في قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {المائدة/33}. فالآية تشير كما يظهر إلى أنواع جرائم مفتوحة ومتجددة على مر الزمن، وقد وردت لها عقوبات معينة ذكرتها الآية، وهي آية شاملة للتقدير أنواع الجرائم المتجددة في الزمان والمكان، وتدخل فيها كل الجرائم التي لا ذكر متعين لها.
أما في دواعي تنفيذ العقاب فيها، فهي دواع الفساد في الأرض، التي شرع لأجلها الجزاء المذكور في الآية في مستوياته الثلاث، يقول تعالى: أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة 33/34}، وتشمل كل ما حرم القران من غير تعيين للجريمة، وكل ترك لما فرض، يستوي في ذلك كون الجرم دنيوياً أو أخروياً فكل ترك للواجب أو فعل للمحرم فهو جريمة فيها احد أقدار الجزاء، وفقاً لقاعدة التماثل، ومثالها الجرائم الاقتصادية، مثل: منع الزكاة، وترك قضاء الدين عند القدرة على ذلك، وعدم أداء الأمانة، وعدم رد المغصوب، وكتم البائع ما يجب عليه بيانه، كالتدليس في المبيعات عيباً خفياً ونحوه، والغش في الأسواق، والعمل بالربا، وشهادة الزور، والشاهد والمفتي والحاكم يعاقبون على ترك الواجبات، والجرائم السياسية كالحرابة والتمرد...الخ، وكذا الجرائم الاجتماعية.
ثم لا يكون تاويل النفي من الأرض هو من معنى الحبس والسجن ، فلكل واحد دلالة مختلفة عن الاخري، ولو كان مصطلح السجن في القران يعنى النفي من الأرض لاستخدمه القران ، وهو الذي استخدمه في اكثر من موضع
اما فكرة المماثلة فليست الا اساس فكرة العقوبة في الإسلام بحيث يجب ألا يأخذ العقاب شكل المعاناة الإضافية التي ينزلها النظام القضائي وأدواته العقابية بالجاني، بل إن العقوبة يجب ان تعكس التزامها بمبدأ وقاعدة مثلية الألم والمعاناة اللذين أنزلهما الجاني أو الُمخالِف بالضحية مع الألم والمعاناة اللذين ينزلهما النظام القضائي بذلك الجاني أو ذاك المخالف، يقول تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى/40}.ويقول: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{البقرة/194}، وهذه هي أصل فكرة "القصاص" في الإسلام، باعتبار إنّ مبدأ القصاص، وفضلاً عن جانبه الردعي المفترض، فانه عدالة واقعية وعملية حقيقية، بحيث أنّ المقتص لا يجوز له التعدي في أي حال من الأحوال.
وإذا تم التعدي فعلى المتعدي دفع قيمة الأضرار الناجمة عن ذلك التعدي. وهذا الأصل المنبثق عن فكرة "القصاص، وهو يطبّق أيضاً في الجرائم التقديرية، لأنّ أي تعدي يقوم به النظام القضائي ضد المخالِف ينبغي أن يُدفَع عوضه لذلك المخالِف. ومن هنا أهمية مفهوم القصاص في القران الكريم باعتبار ارتباطه بفكرة الحياة، كشرط من شروط استمراريتها.
من المهم الرهان على المرجعية القرآنية المطلقة الحقيقة في تعيين على تعيين ماهية الحق، كما تعيين على تحديد ماهية الاعتداء على الحقوق، وإلا فإن الأسئلة الحائرة سوف تطرح نفسها ، كالأسئلة مثل بماذا تتأسس الحجة الفلسفية عن فكرة العقوبة والقانون ؟ أي بماذا يجوز إنزال الأذى والعقاب على فرد ارتكب جرماً معيناً ؟ وكيف نبرر أخلاقياً إنزال العقاب الجسدي أو المعنوي الحدي أو التقديري بفرد ارتكب جناية قد أنقضي أمرها ؟. وما المبرر الفلسفي لإنزال العقاب بأحد الجناة بدعوى أنّ تلك العقوبة ستكون وسيلة من وسائل ردع الآخرين عن ارتكاب جنايات مماثلة في المستقبل، فيكون الجاني ضحية أخرى من ضحايا العقاب؟ وهل يمكن تبرير العقوبة إذا كانت للفرد نية للقيام بارتكاب جناية في المستقبل؟ ولو افترضنا جدلاً أنّ الجناة يجب أن يعاقبوا، فمن الذي يمتلك الحق في تشخيص حجم وشدة تلك العقوبة؟،إنّ الأجوبة على هذه الأسئلة ستوضح تهافت الاتجاهات التراثية والوضعية الانسانوية لمعني "العقوبة ".
ولاننا لا نقول بقاعدة الترادف اللغوي في فهم دلالة الخطاب القراني فاننا لا نقول بالترادف بين مفهوم السجن كعقوبة ومفهوم النفي من الأرض كمفهوم عقابي اخر، حتى لا تسيطر علينا فكرة المنفعة في النفي وكانه من دولة الى احري ، ومقصود القران هو انزال المشقة بالجاني واضحة ، وان حدث عكسه فهو مخالفه اخري جديدة
لذلك لا بد من تصحيح النظرة المادية لعقوبة السجن بالنظرة القرآنية بوصفها نظرة خاطئة تنبني عليها عقوبات وهمية، تضر بالحقوق الإنسانية، لأنها في الأساس وقبل كل شيء لا تفهم العامل الحقيقي لانحراف الإنسان. اعني انحرافه عن الفطرة الرشيدة والميل عنها، مما تؤدي بالإنسان إلى الخروج عن الصفة الإنسانية الخيرة، وما يهم هنا بالنسبة لمفهوم الانحراف، هو المبدأً الأخلاقي الذي يتحكم في توجيه الفرد بوحي ضميره واختياره.
ودلالة ذلك انه حتى يصبح الفقه الاجتماعي لمسالة الجريمة والعقاب علماً من العلوم، فانه يجب أن يؤصّل على أساس من قيم "الإيمان" المطلقة الواردة في الهدي القرآني، لا القيم المثالية العقلية، أو الإجراءات العلمية الوضعية، ولكن هذا المفهوم لا يعني بالضرورة تجاهل المعرفة العقابية بالمعنى الواقعي للعلم، وإنما يعني استيعابها في العلم المطلق المنزّل من عند الله تعالى،
____________
من صفحة المفكر الاسلامي السوداني دكتور محمد المجذوب
إرسال تعليق