تدعو الدراسات التاريخية إلى تفريغ جعبة الخطاب القرآني من مفاهيم المقصدية وعموم الدلالة والعالمية والاطلاقية ونزع صفة الخلود والصلاحية لكل زمان ومكان عنه، وذلك بغية الالتفاف على حقيقة معجزة القرآن الكونية من خلال إحالته إلى التاريخ والنظر إليه باعتباره نصا تاريخيا محكوما بشروط تاريخية وظرفية يزول بزوالها، وتعمل على ربط القرآن بسياقات تنـزله، وتفسير معانيه تفسيراً تداولياً قاصراً من خلال الخوض في مسألة أسباب النـزول والناسخ والمنسوخ والمكي والمدني وغيرها من الرهانات التاريخية، فتكون الغاية من أرخنة الخطاب القرآني بحسب تعبير "أركون" مثلاً هي العودة بالقرآن بشكل علمي إلى قاعدته البيئوية والاجتماعية والثقافية والسياسية لاسيما قاعدة "العرقية/ اللغوية" الخاصة بحياة القبائل في مكة والمدينة في بداية القرن السابع الميلادي، وبهذا الجهد يكون مشروع القراءة التاريخية للخطاب القرآني هي تحويل القرآن الكريم الى خطاب تاريخي يتغير فهمه ومعناه مع تغير الزمان والمكان.
بعبارة اخري، انه وبعدما يتم هدم مبدأ عموم الدلالة ، والذي هو مبدأ أصيل في علم دلالة الخطاب القرآني وتأويله، فانه تحلّ محله المبادئ الوضعية التي تتشكل كقواعد مرجعية بديلة، كما نظر لها فلاسفة فلسفة العلوم المعاصرة لا سيما مبدأي الموضوعية والنسبية، المتجليان في نسبية النص والسنته ونفي القصدية والمغزى عنه وانفتاح تعددية قراءته ومعناه لصالح المتلقي بعيداً عن مغزي ومقصد المتكلم. وعندئذ فان ما جاء في الخطاب القرآني من عقائد وشرائع، فهي عقائد وشرائع تتغير وتتبدل مع تبدل الزمان والمكان، وهو التبدل الذي لا يقصد منه المرونة في الاجتهاد الفقهي المواكب لمتغيرات الواقع عبر الزمان والمكان بمقدار ما يعنى به عدم صلاحية الحكم الديني لكل زمان ومكان، فهو تاريخي وقتي، أي أنه جاء لتاريخ ووقت قد مضى، ولم يعد يتلاءم مع التاريخ الحالي، وبالتالي يجب أن تتغير تفسيراته بما يناسب الوضع الحديث ، او يجب تجاوزه بالمرة، وبذلك تتحول التشريعات الدينية الى تشريعات نسبية خاصة بعلل التنزيل، يقول نصر أبو زيد: "الأحكام والتشريعات جزء من بنية الواقع الاجتماعي في مرحلة اجتماعية تاريخية محددة".
اما رهان هذه الاستراتيجية فيظهر في توظيف علم "أسباب النـزول"، باعتباره العلم الذي يؤسس لكون أن آيات وسور القرآن الكريم قد تنـزلت خلال ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث، هو مدار تاريخي كاف لإثبات تاريخية النص القرآني في الخطاب الحداثي؛ لأنه لا ينظر إلى هذه الأسباب على أنها مناسبات نزول بل يعدّها عللاً "ضرورية" مؤثرة وموجة للنزول، وقد ارتبطت بها نصوص الوحي في نـزولها ارتباطا ضرورياً حتمياً ، وما دامت هذه الأسباب وليدة بيئة معينة، فإن الخطاب القرآني سيكون مرتبطا ببيئته وسببه نزوله ارتباطا ضرورياً حتمياً، ولا يتجاوز في توظيفه ذلك.
والواقع ان محاولات أرخنه وتاريخية القرآن وألسنته ، ستصطدم مرة بعد اخري بعقبة الاعجاز القرآني، لاسيما وان الخطاب القرآني يستخدم آلياته الدلالية والاسلوبية الخاصة به في إعادة إنتاج المقصد والمعنى على نحو مطلق بما لا نجده في غيره من النصوص الأدبية او اللغوية او الفلسفية او العلمية او القانونية الأخرى...الخ، فهو له استراتيجيته الاسلوبية في توظيف بناء الدلالة المرادة وتركيبها وفي عملية إعادة إنتاج المعنى، لان الخطاب القرآني يتشابك مع وقائع ونوازل زمانية ويقوم بالتعليق عليها، ولكن السياق القرآني في هذه المواضع يقوم بتحويل النازلة المرتبطة بالزمان والمكان والأشخاص إلى حالة كونية عامة ويجعلها دلالة عامة تتجاوز الزمان والمكان وتستوعبها، فيخلصها من أثر المناسبة التاريخية ويحررها من ذلك الارتباط الزمان والمكاني لتكون صالحة للاعتبار والدلالة في كل زمان ومكان، من خلال بنائه للخطاب في رؤيته لله وللعالم وللإنسان، وكذا التشريعات العامة في القران التي جاءت في سياق يؤكد سريانها فوق الزمان والمكان وفى إطار سياقات تشريعية ملزمة، في سياقها البيانية الخاصة بها، والمقاصد التشريعية التي تطبق من خلالها، فالتشريع في القران الكريم له مقاصد عامة وسياقات عامة ملزمة.
________________
من صفحة دكتور محمد المجذوب المفكر الاسلامي السوداني على فيس بوك
بعبارة اخري، انه وبعدما يتم هدم مبدأ عموم الدلالة ، والذي هو مبدأ أصيل في علم دلالة الخطاب القرآني وتأويله، فانه تحلّ محله المبادئ الوضعية التي تتشكل كقواعد مرجعية بديلة، كما نظر لها فلاسفة فلسفة العلوم المعاصرة لا سيما مبدأي الموضوعية والنسبية، المتجليان في نسبية النص والسنته ونفي القصدية والمغزى عنه وانفتاح تعددية قراءته ومعناه لصالح المتلقي بعيداً عن مغزي ومقصد المتكلم. وعندئذ فان ما جاء في الخطاب القرآني من عقائد وشرائع، فهي عقائد وشرائع تتغير وتتبدل مع تبدل الزمان والمكان، وهو التبدل الذي لا يقصد منه المرونة في الاجتهاد الفقهي المواكب لمتغيرات الواقع عبر الزمان والمكان بمقدار ما يعنى به عدم صلاحية الحكم الديني لكل زمان ومكان، فهو تاريخي وقتي، أي أنه جاء لتاريخ ووقت قد مضى، ولم يعد يتلاءم مع التاريخ الحالي، وبالتالي يجب أن تتغير تفسيراته بما يناسب الوضع الحديث ، او يجب تجاوزه بالمرة، وبذلك تتحول التشريعات الدينية الى تشريعات نسبية خاصة بعلل التنزيل، يقول نصر أبو زيد: "الأحكام والتشريعات جزء من بنية الواقع الاجتماعي في مرحلة اجتماعية تاريخية محددة".
اما رهان هذه الاستراتيجية فيظهر في توظيف علم "أسباب النـزول"، باعتباره العلم الذي يؤسس لكون أن آيات وسور القرآن الكريم قد تنـزلت خلال ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث، هو مدار تاريخي كاف لإثبات تاريخية النص القرآني في الخطاب الحداثي؛ لأنه لا ينظر إلى هذه الأسباب على أنها مناسبات نزول بل يعدّها عللاً "ضرورية" مؤثرة وموجة للنزول، وقد ارتبطت بها نصوص الوحي في نـزولها ارتباطا ضرورياً حتمياً ، وما دامت هذه الأسباب وليدة بيئة معينة، فإن الخطاب القرآني سيكون مرتبطا ببيئته وسببه نزوله ارتباطا ضرورياً حتمياً، ولا يتجاوز في توظيفه ذلك.
والواقع ان محاولات أرخنه وتاريخية القرآن وألسنته ، ستصطدم مرة بعد اخري بعقبة الاعجاز القرآني، لاسيما وان الخطاب القرآني يستخدم آلياته الدلالية والاسلوبية الخاصة به في إعادة إنتاج المقصد والمعنى على نحو مطلق بما لا نجده في غيره من النصوص الأدبية او اللغوية او الفلسفية او العلمية او القانونية الأخرى...الخ، فهو له استراتيجيته الاسلوبية في توظيف بناء الدلالة المرادة وتركيبها وفي عملية إعادة إنتاج المعنى، لان الخطاب القرآني يتشابك مع وقائع ونوازل زمانية ويقوم بالتعليق عليها، ولكن السياق القرآني في هذه المواضع يقوم بتحويل النازلة المرتبطة بالزمان والمكان والأشخاص إلى حالة كونية عامة ويجعلها دلالة عامة تتجاوز الزمان والمكان وتستوعبها، فيخلصها من أثر المناسبة التاريخية ويحررها من ذلك الارتباط الزمان والمكاني لتكون صالحة للاعتبار والدلالة في كل زمان ومكان، من خلال بنائه للخطاب في رؤيته لله وللعالم وللإنسان، وكذا التشريعات العامة في القران التي جاءت في سياق يؤكد سريانها فوق الزمان والمكان وفى إطار سياقات تشريعية ملزمة، في سياقها البيانية الخاصة بها، والمقاصد التشريعية التي تطبق من خلالها، فالتشريع في القران الكريم له مقاصد عامة وسياقات عامة ملزمة.
________________
من صفحة دكتور محمد المجذوب المفكر الاسلامي السوداني على فيس بوك
إرسال تعليق