الرئيسية » , » شندي وربوعها مدينة حضارية ضاربة في عمق التأريخ

شندي وربوعها مدينة حضارية ضاربة في عمق التأريخ

تم النشر يوم الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014 | 9:24 ص

 
صور أهرمات البجراوية من -LULU EL HASBU-في Saturday, December 7, 2013
شندي وربوعها مجد وتاريخ تليد (1)

زار مدينة شندي كثير من الرحالة الغربيين الذين زاروا المنطقة منذ قرون وآماد بعيدة، منهم على سبيل المثال الرحالة النمساوي (بيركهارد) ومنهم الرحالة الأسكتلندي (جيمس بروس) ومنهم الرحالة الغربي (آلان مورهيد) مؤلف كتابي النيل الأزرق والنيل الأبيض، حيث أشار لواقعة غاية في الغرابة عند وصوله مدينة شندي، وربما تؤكد روايته  ما أشار إليه كثير من نقاده بأنه إنما ينطلق في تأليفه للكتابين من نظرة عنصرية فيها تحامل الرجل الأبيض على مناطق مجهولة في القارة السمراء يحاول فيها تصوير إنسانها بالمتوحش الجاهل للحضارة!، رغماً عن القيمة المعرفية للعملين التي قدمت إشارات موفقة لأهم رافدين حيويين في أفريقيا والعالم ، يقول مورهيد أن جماعة من الناس كانوا يشوون لحوماً ويلتهمونا، وعندما تناقص طعامهم وأرادوا إستزادة قام أحدهم وهو يحمل سكينا واتجه لأحد الثيران التي كان قطيعها بقربهم فجز بالسكين بعضاً من لحم الثور من منطقة الفخذ دون اللجوء لذبح الثور أولاً،  بينما الثور ينزف حتى خرً صريعاً!. وخلافاً لهذه الكتابة المتحاملة فقد عرف السودانيون شندي ، إسم ضارب في أعماق التاريخ منذ الأزل، فقد ألفوها مدينة سودانية خالصة وعريقة، إرتبط إسمها بالخضرة وجمال الطبيعة وفاكهتها المميزة عن كافة فواكه بقية مناطق السودان، كما ارتبط تاريخها بأهم الأحداث والوقائع التاريخية التي ظل يفاخر بها السودانيون جيلاً إثر جيل وهم يعيدون رواية المأثرة البطولية عندما أقدم المك نمر على تمريغ أنف المستعمر بالتراب وهو يشعل النيران في جسد المتغطرس إسماعيل باشا ربيب الاستعمار وصلفه، ليلحق به وبجنوده الذين دنسوا أرض السودان عندما وطأؤها بأقدامهم القذرة. نقدم هنا إضاءات مكثفة عن هذه المدينة الساحرة على خلفية أنغام مطربها عثمان الشفيع وهو يصدح مردداً:- ” يا حليل ربوع شندي ،، بلد الجمال عندي” ،، فهاكم شندي وإنسانها البديع.
عرض: حسن الجزولي
* لا علم لدى مؤرخي حضارة شندي، ببداياتها الأولى، ولكنهم يشيرون لحضارتها منذ استقرار إنسانها القديم على ضفاف نهر النيل، وتحول حضارة تلك الحقبة من العصر الحجرى القديم الى عصر الزراعة والرعى، ومن ثم الحراك التدريجي نحو الاستقرار وتكون التجمعات الحضرية. ورغم غياب التأريخ الحقيقي لتكوين حضارة المدينة، إلا أن المؤرخين يشيرون إلى “أن المنطقة ما بين فندق الكوثر شمالاً حتى تخوم منازل آلـ شنان جنوباً، قد شهدت سكناً شبه متواصل خلال الأربعة الآف عاماً الماضية. من هنا كانت بدايات مدينة شندى. يؤكد على ذلك ما كشف عنه من جبانات وبعض الآثار في محيط فندق الكوثر وقريباً من مدرسة شندى الثانوية سابقا  وحول تخوم قلعة آلـ شنان، وقد أشار كثير من المؤرخين إلى بدايات دخول المسيحية للسودان من الجنوب المصرى حوالى القرن الثالث الميلادى ولكنها دخلت السودان الذي سمي وقتها ببلاد النوبة بعد انهيار مملكة مروي حوالى منتصف القرن الرابع الميلادى، وتأثر شمال البلاد بالمسيحية القادمة من مصر، وتأثرت المناطق الوسطى بالكنيسة الحبشية، وتوج ذلك “بقيام مملكة المغرة فى الشمال وعاصمتها دنقلا العجوز، ومملكة علوة فى الجنوب وعاصمتها سوبا، وذلك حوالى منتصف القرن السادس الميلادى، وقد امتد نفوذ مملكة علوة حتى منطقة شندى الى شمال منطقة كبوشية الحالية تحديدا”. هذه هي الفترة  التي بدأ  فيها ظهور دور شندى حضارياً وتجارياً، وذلك بعد انهيار مملكة مروى وتدمير عاصمتها، فبدأ فى هذه الفترة الحديث عن شندى كسوق وكملتقى للقوافل.
* وهكذا ظلت مدينة شندى مسيحية الديانة والحكم لعدة مئات من السنين، التي امتدت لما يقارب حوالى ستمائة عام، ولاحقاً عندما زاد عدد المسلمين فى حاضرة شندى، خاصة بعد القرن العاشر الميلادى، بتأثير التجار والقادمين من الشمال، استأذن المسملون فى أن يكون لهم مسجد فى الحاضرة، “فاقتطعت لهم قطعة من الأرض فى طرف المدينة الشرقى عند المقبرة لكي يقيموا فيها شعائرهم. فتم بناء مسجد للمدينة، وهكذا ظهر للوجود مسجد السوق الحالى في حياة شندي وأهلها!، هذا حسب ما قال به المؤرخون لتلك الحقبة، ما يعني أنه إذا ما صح توثيقهم فإن مسجد مدينة شندي الحالي يكون أقدم المساجد في السودان قاطبة، بل في المنطقة المحيطة به!، وهذه يشكك فيها بعض المهتمين بتاريخ المدينة والمنطقة، عندما يشيرون إلى أن  بيركهارت الرحالة النمساوى الذى زار شندى عام 1814، الذي لم يشير في مذكراته لمسجد شندي الحالي ،خلافاً لما أسهب به حول مشاهدته لمسجد مدينة الدامر التي زارها في نفس فترة زيارته لشندي والتي وصفها بأنها مدينة تجارة وثراء ولهو!. مما ينطبق وضع مسجد شندي على مسجد بربر أيضاً من ناحية القدم!. وقد أعيد بناء مسجد شندي، فى العصر التركى بعد اعادة إعمار شندى عام 1850، وحول المسجد وتأريخه يشير مكرم ميلاد سلامة أحد أبناء شندي ومن أقباطها ونشأ وترعرع فيها ومن المولهين بمدينتهم وأحد المؤرخين لها، أن مسجد المدينة العتيق كان أمام  متجر والده بالسوق، وتم تجديده أيام العهد التركى  ” وفى صباي كان مؤذن المسجد من أصل تركى اسمة الحارث والامام كان شيخ خلف الباقر وهو والد الدكتور الباقر.
* إذن فقد ظلت شندى مهجورة تماماً بعد حملة الدفتردار عام 1824 ولمدة 25 عاماً ” ترعى فيها الوحوش والهوام” وذلك حسب المؤرخين للمدينة!. علماً بأن الرحالة الأسكتلندي جيمس بروس قد زار المدينة أيضاً، في العصر الحديث نسبيا  1771 متوجهاً لمصر  من منابع النيل الازرق فى الهضبة الاثيوبية.
سبب تسمية شندي
اختلف المؤرخون لمدينة شندي فى معنى تسمية “شندي”، كما اختلفوا حول تاريخ اطلاق هذا الاسم على المنطقة، ويقول بعضهم، بما أن شندى كانت حاضرة في فترة الحضارة المروية، فيعتقد أن هذا المسمى (شندى) “كان يطلق على التجمعات الحاضرة على امتداد الكرو ما بين جامعة شندى ( المشرع القديم ) شمالاً حتى تخوم قلعة شنان جنوباً”، ويدللون على تحديدهم هذا ببيركهارت  الذي ذكر عند زيارته لشندى في أبريل عام 1814، أن المدينة وقتها  كانت تتكون من أربع حلال بينها مسافات متسعة، كما أن بعض الروايات تعيد الاسم إلى  كلمة نوبية قديمة تعني “البيع نقدا”!. حيث أن شندى كانت في فترة العهد المسيحى في القرن السادس الميلادى وما بعده، سوقاً كبيرةً ورائجة لتجارة الرقيق بمختلف أنواعه وأشكاله  حين أن عناصر الرقيق كانت تجلب الى سوقها من مختلف الأصقاع، فيباع الرقيق ويُشتري ويُنقل شمالاً إلى مصر وشرقاً إلى جزيرة العرب. وقيل أن تجار شندي عندئذ كانوا لا يقبلوا ثمن البيع إلا نقداً!، “لذا سميت شندى  مكان البيع نقداً”،  وهناك رواية أخرى تقول أن كلمة (شندي) مع تحريف بسيط فى النوبية القديمة تعنى “الشفة” وأنه لما كان نهر النيل “عند مدينة شندي ينحنى انحناءة متعرجة تشبه الشفة، لذا سُمى المكان بشندي”!. كما أن كلمة شندي فى اللغة المروية تعنى “فحل الكباش” وقد كان للكبش، وضع وتقديس خاص فى مملكة مروي . وهذا واضح من  ما ” تصوره قاعة الخراف فى مدخل القصر فى النقعة، ومن تماثيل الخراف التي وجدت فى البجراوية وحولها”.
اضافة إلى أن اسم شندي ورد فى مراجع شتى: كالمصريين  الذين يرجعون الاسم لشجر “السُنُط وينطقونه بالهيروغلوفية (شَنَدْ) ومعروف أن المنطقة تكثر بها أشجاره، وللبجا شبه علاقات قديمة مع أهل شندى، وفى لغتهم (شآندءا) تعنى (الشتاء الطويل) وشندي شتاؤها طويل. والنوبة القديمة عندهم المقطع ( شا ) مرتبط بالذهب وتعنى شندى ( أرض الذهب) وفى تقدير معظم الباحثين أن الاسم المرتبط بالسنط هوالأقرب، ولازالت أسماء مثل (شندى وبشندى وشندويل ) تسمى بصعيد مصر”. حول هذا يضيف مكرم ميلاد الذي سبقت الاشارة إليه، “أنا أرجح اسم شندى إلى اللغة المروية وهى الكبش، رغم أن والدي وهو ينتمي لسلالة عريقة  في هذه المنطقة وكان أجدادة فى منطقة جبل أم علي وهناك بير سلامة تشهد على ذلك حتى اليوم،  كان يقول أنهم سموا شندى لأن أوائل الذين سكنوا هذه البلد  تنتمي عائلاتهم إلى جزيرة شندويل بين أخميم وسوهاج فى القطر المصرى”!.
شندي الموقع
تعتبر أحد أشهر وأهم مدن السودان، وهي عاصمة لمحافظة شندي بولاية نهر النيل التي تضم عدداً من المحليات، تقع مدينة شندي شمال شرق الخرطوم، على الضفة الشرقية من النيل، ويربط بينها خط قديم للسكة حديد إضافة لطريق بري مسفلت. تضم أكثر من ثلاثة وعشرين قرية كالمغاوير، العقيدة، كلي، المكنية، العوتيب، حلة أبوالحسن، قوز العلم، قندتو، الديم، السلمة، الدويمات، حجر العسل، البسابير، قندتو، حوش بانقا، القليعة، المريخ، أولاد حسان، ودالحاج، الضوياب، الفجيجة، المسيكتاب جنوب، ساردية الشقالوة، كبوشية، الكتياب، المحمية، الزيداب، التراجمة غرب، الصلعاب، جوير، ود ضبعة،  والسيال.
___________

* زيارة ميدانية سجلها الكاتب لمدينة شندي والمتمة وإفادات عدد من السكان وبتصرف عن مواقع ومراجع ودوريات.
شارك الموضوع :

إرسال تعليق

 
جميع الحقوق محفوظة لموقع (عين السودان) الإخباري الوثائقي