أفردت مجلة الدوحة ملفاً كاملاً عن الشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري في العدد 84 اكتوبر 2014 ننقل بعضه على صفحات (عين السودان) شاكرين لمجلة الدوحة احتفاءها بشاعر افريقيا
رغم اكتمالها شكلاً ومضموناً وتاريخاً تبقى تجربة الشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري (1936) عصيَّة على التقييم. الكثير من القضايا تتداخل وتتقاطع في منجزه الشعري لترسم معالم شخصية مُنفلِتة من زمانها. وكحال كل مُخضرم فإنه يعيش في أيامنا شاهداً على حركتي المدِّ والجزر المرتبطتين بولادة القصيدة العربية الحديثة وما صاحبها من تغيرُّات ثقافية وسياسية على صعيد البلاد العربية. والكثير من أنداده الرواد لم يَطُلْ بهم العمر حتى يدركوا ما نعيشه اليوم من فصول نصف قرن من التحوّلات.
أجنحة الفيتوري حلَّقت به بعيداً، وتجاوز بها الحواجز والأوطان. قارة بأكملها رثاها ومدحها وعشقها في «أغاني إفريقيا 1956»، «عاشق من إفريقيا 1964»، «اذكريني يا إفريقيا 1965»، وفي مسرحية «أحزان إفريقيا». ولم تكن بوصلته سوى مرايا ينظر فيها فيجد عنترة بن شداد، أو سحيم عبد بني حسحاس وإمام العبد، وغيرهم من الشعراء الزنوج... كما طَلّ الفيتوري على ثلاثينيات القرن العشرين فوجد قطار الروّاد الذي لم يتردَّد في ذكر أفضاله عليه، بدءاً بالشاعر السوداني التيجاني يوسف بشير، والشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، ثم الشاعر المصري محمد عبد المعطي الهمشري، والثلاثة شكَّلوا المعين الذي ارتوت منه مدرستا الديوان وأبولو، ووسط هذه الروافد تأثر الفيتوري شخصياً بميخائيل نعيمة. صاحب «عرياناً يرقص في الشمس (2005)» كان صحافياً أيضاً، عمل في الصحافة المصرية إلى جوار محمد حسنين هيكل وكامل الشناوي وأبو الخير نجيب، ثم في مجلة «الدعوة» التي كان يرأسها سيد قطب. وفي الصحافة السودانية عمل في «التلغراف» و«هنا أم درمان». إلى أن التحق بجامعة الدول العربية فكان عمله الدبلوماسي تذكرة سفر مفتوحة في أرجاء المعمورة مكنته من لقاء العديد من الكتّاب والأدباء والسياسيين، وهي تجربة جعلته يعي حقائق ووقائع زمانه عن كثب.
تصالح الفيتوري دائماً مع شكل القصيدة، فلم يكن متطرفاً في القواعد الشعرية، وعلى رأسها الأوزان، وإنما انتصر الرجل لروح الشعر، وإن كان نثرياً، وكان ميّالاً إلى رؤية إيقاع الرؤى داخل الكلمات. هكذا شيّد الفيتوري تصالحه بدبلوماسية مع شكل القصيدة التي كانت وقتها على محك السلطة والأيديولوجيات، لكن وداعته لا تداري مواقفه إن لزم الأمر، فهو يعرف هذا الزمن الذي أدركه في جواب عن معنى الحداثة قائلاً: «الحداثة في رأيي تنشأ من التراث المتجه نحو المستقبل من أجل رفعة الإنسان وحريته، أما أن تكون الحداثة هي الانتقال من سيد درويش ومحمد عبده إلى «شعبولا» و«روبي»... فهذه ليست حداثة، لكنها سقطة من سقطات التاريخ التي تمر مثل أي شيء...».
لازال شاعرنا يهنأ بحياة هادئة في بيت بضواحي الرباط، وقد زارته «الدوحة» وحاورته احتفاء به.. وتحية له في هذ الملف
إرسال تعليق