أفردت مجلة الدوحة ملفاً كاملاً عن الشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري في العدد 84 اكتوبر 2014 ننقل بعضه على صفحات (عين السودان) شاكرين لمجلة الدوحة احتفاءها بشاعر افريقيا
فتحي عبد الله
الإسكندرية التي تربّى فيها محمد الفيتوري كان لها أكبر الأثر على الشاعر، فقد كانت رؤيته الحاكمة للعالم تتميز بطابع إنساني، فمع أنه سوداني الجنسية مصري الثقافة، كانت إفريقيا مركز وعيه ومركز الدلالة الشعرية الأساسية في تجربته، ولا ينفصل هذا التوجُّه عن دور مصر الإقليمي في تلك المرحلة، ولا عن توازنات العقل في العالم، خاصة أن إفريقيا قد أصبحت مع ثورة يوليو إحدى مناطق النفوذ والسيطرة لمقاومة الاستعمار القديم،
وقد أصدر الفيتوري دواوينه الأولى «أغاني إفريقيا» (1955)، «عاشق إفريقيا» (1964)، «اذكريني يا إفريقيا» (1965) في سياق ما كان يحدث في العالم من تغيرات، ومتوافقاً مع استراتيجية الدولة المصرية في إفريقيا وآسيا، ومن هنا فقد طغى الحس الثوري ذو اللغة الرومانسية على بدايات تجربته.
إن ارتباط الفيتوري بمصر ارتباط رمزي، لا يمكن حصره فيما هو سياسي أو أيديولوجي، وإنما يمكن إحالته إلى الوعي أو إلى السياق الثقافي الذي تربّى فيه.
إن حداثة الرواد في شعر العرب لم تكن مفصولة عن ما يحدث في الشرق الأوسط من صراعات، سواء أكانت داخلية أم خارجية، وكانت استجابة روحية ورمزية لتلك الفئات الفاعلة في تلك الحقبة.
وكانت الاقتراحات الشعرية متنوِّعة ومختلفة، وتتقاطع جميعها مع فعل الحداثة مهما كانت درجة الوعي والانحياز الاجتماعي، فهناك الليبرالية ممثلة في صلاح عبدالصبور وأنسي الحاج، التي تمجِّد حرية الفرد في المجتمع مهما كانت أفعاله، وهناك القومية مُمثلَة في حجازي، خليل حاوي، والفيتوري، والتي تسعى إلى خلق وعي جمعي يدعو إلى التحرُّر من الاستعمار، أما النموذج الماركسي الذي اعتمد الرؤية القائمة على الصراع الطبقي في الداخل ورفض الرأسمالية العالمية في الخارج فقد كان ممثله سعدي يوسف.
ولقد تميّز الفيتوري دون غيره من شعراء العرب بالانحياز إلى قارة إفريقيا لا على المستوى السياسي فقط وإنما بما تملكه من ثقافة شديدة الخصوصية، سواء أكانت مادية أم رمزية، فقد كشف ما تعرضت له إفريقيا من اضطهاد واستبداد من قبل قوى الاستعمار القديم، فقد تم نهب ثرواتها وتدمير وعيها الفطري وإثارة النزعات العرقية والطائفية بين شعوبها، كما تمت السيطرة عليها سياسياً وعسكرياً حتى خلقوا لدى شعوبها قابلية للاستعمار.
وكان الفيتوري من أوائل شعراء إفريقيا المناهضين للنموذج الكولونيالي، إذ تماهى وتقاطع مع الوعي الجمعي لهذه القارة وكشف عن جذور التمرُّد والعصيان فيه، كما كشف عن أساليب الوحشية التي يمارسها الغرب تجاه أبناء هذه القارة من استعباد رغم طوباوية الخطاب الذي يروجون له.
لقد بعث الفيتوري أساطير إفريقيا وقوتها الروحية التي تمثل المقاومة الحقيقية تجاه هذا التوحش، وأظهر أن أبناء القارة السوداء يمتلكون رؤية أكثر إنسانية تجاه العالم، فهم مازالوا يعيشون على الحضارات القديمة وهي حضارات أقل توحشاً وأقل عنصرية مما يحدث في العالم الغربي. ويقول:
إن نكن سرنا على الشوك سنينا ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا عراة جائعينا
أو نكن عشنا حفاة بائسينا.
هذه رؤيته على المستوى المعيش واليومي لأبناء القارة، إلا أنه يدفعهم دفعاً إلى المقاومة والعصيان.
فلقد ثرنا على أنفسنا ومحونا وصمة الذلة فينا
الملايين أفاقت من كراها ما تراها
خرجت تبحث عن تاريخها
بعد أن تاهت على الأرض وتاها
فانظر الإصرار في أعينها وصباح البعث
يجتاح الجباها.
أما على المستوى الرمزي فقد واكب الفيتوري شعرية الزنوجة، إذ يقول:
أنا زنجي
قلها لا تجبن
قلها في وجه البشرية
أنا زنجي
وأبي زنجي الجد
وأمي زنجية
أنا أسود
أسود لكني حرٌ امتلك الحريّة.
فهذا التطهُّر الإنساني المباشر قد تحوَّل لدى الشاعر إلى أيقونة غامضة وفريدة:
«ربما لم تزل تلكم الأرض تسكن صورتها الفلكية لكن شيئاً على سطحها قد تكسر
ربما بستان صيفك أبيض في العواصف لكن برق العواصف خلف سياجك أحمر.
ربما كان طقسك ناراً مجوسية في شتاء النعاس الذي لا يفسر
ربما كنت أصغر مما رأت فيك النبوءات أو كنت أكبر».
ولقد استخدم الشاعر لأداء هذه التجربة عدة تقنيات منها:
-1 الإقرار أو الاعتراف بما فيها من لغة حميمية ومحاولة خلق علاقة مع الآخر مثل قصيدة «أصبح الصبح»:
أصبح الصبح وها نحن مع النور التقينا
التقى جيل البطولات بجيل التضحيات
التقى كل شهيد بشهيد
لم يزل يبذر في الأرض بذور الذكريات.
-2 القصيدة كأنها خطاب موجه إلى الآخر، وهذا يستدعي لغة حادة وعنيفة وواضحة في الآن ذاته، كما يكثر فيها استخدام أدوات النداء والحوار، وأن تكون الدلالة مشتركة بين الشاعر والمتلقي مثل:
يا أخي في الشرق في كل سكن
يا أخي في الأرض في كل وطن
أنا أدعوك فهل تعرفني؟
ولم يقتصر دور الفيتوري على تحرير الوعي الكلي لإفريقيا بل امتد للوعي العربي، فقد انحاز مبكراً للثورات ذات الطابع القومي التي كانت تدعو إلى العدالة الاجتماعية، وقد استطاعت أن تدفع الطبقة المتوسطة إلى إدارة شؤون البلاد مما خلق نوعاً جديداً من الوعي وممارسات مادية جديدة كانت كلها تسعى إلى تحقيق حداثة ما تتقاطع من اللحظة الراهنة، فهو يقول:
تبقى أمة عربية رفعت مصاحفها على راحتها وتدفقت موجاً من الأمجاد
تبقى رغم ما حشد الصليبي المعربد تحت رايته
وما استقوى به الموتور والمأجور والجلاد
تبقى الأرض والأوتاد
تبقى فرحة الميلاد.
ومن الإشكاليات التي تسيطر على الخيال والذهن العربيين مشكلة فلسطين، فهي التي تخلق الوحي الشقي، وهي التي تدفع المبدعين إلى اكتشاف أشكال جديدة للأداء:
دوي نفير الثأر يا جراح عشرين سنة
نجمة إسرائيل فوق المئذنة
فمن إذن يا وطني
ينهض إلى الصلاة
بينما حوافر اليهود تدوس سقف المسجد الأقصى
وخوذات الجنود تطال المطران العابد والشماس.
إن أسطورة فلسطين هي أسطورة الذات المجروحة التي تمارس فعلها باستمرار، ولم يستطع الفيتوري في كل تجربته أن يغفلها ولو لحظة حتى في طورها الأخير، ففي قصيدة طفل الحجارة، يكتب:
ليس طفلاً ذلك القادم في أزمنة الموتى إلهي الإشارة
ليس طفلاً وحجارة
ليس بوقاً من نحاس ورماد
ليس طوقاً حول أعناق الطواويس محلى بالسواد
إنه طقس حضارة.
إن فعل المقاومة هنا ليس عبثاً، إنه قانون الحضارة التي تعلي من قيمة الحرية والعدالة (إنه العدل الذي يكبر في صمت الجرائم)، ثم يذكر أسباب الكارثة:.
إنها الأرض التي لم تخن الأرض
وخانتها الطرابيش
وخانتها العمائم
إنه الحق لم يخن الحق
وخانته الحكومات
وخانته المحاكم.
ثم يمارس نقداً عنيفاً للاستبداد العربي الذي صاحب تلك الثورات:
قد مرّ طاغية من هنا ذات ليل
أتى فوق دبابة
وتسلّق مجداً
وحاصر شعباً
غاص في جسمه
ثم هام بعيداً
ونصب من نفسه للفجيعة رباً.
ثم يصل الشاعر إلى الذات العربية في طور اكتمالها من خلال أحد رموزها الفاعلين وهو المتنبي وإن اعتمد في رؤيته على ما هو تاريخي وعلى الصوفية في العلاقات فظهرت الذات وكأنها قادرة على خلق الممالك والأساطير:
كانوا ملوكاً على أرض ممزقة يجوع على ثراها النبت والبشر
كانوا ملوكاً مماليكا وأعظمهم تحت السماوات
من في ظلك استتروا
ورحت تنفخ فيهم منك ترفعهم فيسقط البعض أو تبني فينكسر،
أردت تخلق أبطالاً تعيد بهم عصر النبوة والرؤيا فما قدروا.
إن الفيتوري أحد رواد شعر الحداثة بما قدَّم من تجربة متميزة ولها خصائص فريدة من أهمها اللغة الحيّة والخيال القريب الذي لم ينفصل عن الواقع، ونستطيع أن نسميه بوضوح شاعر الثورات المغدورة.
الإسكندرية التي تربّى فيها محمد الفيتوري كان لها أكبر الأثر على الشاعر، فقد كانت رؤيته الحاكمة للعالم تتميز بطابع إنساني، فمع أنه سوداني الجنسية مصري الثقافة، كانت إفريقيا مركز وعيه ومركز الدلالة الشعرية الأساسية في تجربته، ولا ينفصل هذا التوجُّه عن دور مصر الإقليمي في تلك المرحلة، ولا عن توازنات العقل في العالم، خاصة أن إفريقيا قد أصبحت مع ثورة يوليو إحدى مناطق النفوذ والسيطرة لمقاومة الاستعمار القديم،
وقد أصدر الفيتوري دواوينه الأولى «أغاني إفريقيا» (1955)، «عاشق إفريقيا» (1964)، «اذكريني يا إفريقيا» (1965) في سياق ما كان يحدث في العالم من تغيرات، ومتوافقاً مع استراتيجية الدولة المصرية في إفريقيا وآسيا، ومن هنا فقد طغى الحس الثوري ذو اللغة الرومانسية على بدايات تجربته.
إن ارتباط الفيتوري بمصر ارتباط رمزي، لا يمكن حصره فيما هو سياسي أو أيديولوجي، وإنما يمكن إحالته إلى الوعي أو إلى السياق الثقافي الذي تربّى فيه.
إن حداثة الرواد في شعر العرب لم تكن مفصولة عن ما يحدث في الشرق الأوسط من صراعات، سواء أكانت داخلية أم خارجية، وكانت استجابة روحية ورمزية لتلك الفئات الفاعلة في تلك الحقبة.
وكانت الاقتراحات الشعرية متنوِّعة ومختلفة، وتتقاطع جميعها مع فعل الحداثة مهما كانت درجة الوعي والانحياز الاجتماعي، فهناك الليبرالية ممثلة في صلاح عبدالصبور وأنسي الحاج، التي تمجِّد حرية الفرد في المجتمع مهما كانت أفعاله، وهناك القومية مُمثلَة في حجازي، خليل حاوي، والفيتوري، والتي تسعى إلى خلق وعي جمعي يدعو إلى التحرُّر من الاستعمار، أما النموذج الماركسي الذي اعتمد الرؤية القائمة على الصراع الطبقي في الداخل ورفض الرأسمالية العالمية في الخارج فقد كان ممثله سعدي يوسف.
ولقد تميّز الفيتوري دون غيره من شعراء العرب بالانحياز إلى قارة إفريقيا لا على المستوى السياسي فقط وإنما بما تملكه من ثقافة شديدة الخصوصية، سواء أكانت مادية أم رمزية، فقد كشف ما تعرضت له إفريقيا من اضطهاد واستبداد من قبل قوى الاستعمار القديم، فقد تم نهب ثرواتها وتدمير وعيها الفطري وإثارة النزعات العرقية والطائفية بين شعوبها، كما تمت السيطرة عليها سياسياً وعسكرياً حتى خلقوا لدى شعوبها قابلية للاستعمار.
وكان الفيتوري من أوائل شعراء إفريقيا المناهضين للنموذج الكولونيالي، إذ تماهى وتقاطع مع الوعي الجمعي لهذه القارة وكشف عن جذور التمرُّد والعصيان فيه، كما كشف عن أساليب الوحشية التي يمارسها الغرب تجاه أبناء هذه القارة من استعباد رغم طوباوية الخطاب الذي يروجون له.
لقد بعث الفيتوري أساطير إفريقيا وقوتها الروحية التي تمثل المقاومة الحقيقية تجاه هذا التوحش، وأظهر أن أبناء القارة السوداء يمتلكون رؤية أكثر إنسانية تجاه العالم، فهم مازالوا يعيشون على الحضارات القديمة وهي حضارات أقل توحشاً وأقل عنصرية مما يحدث في العالم الغربي. ويقول:
إن نكن سرنا على الشوك سنينا ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا عراة جائعينا
أو نكن عشنا حفاة بائسينا.
هذه رؤيته على المستوى المعيش واليومي لأبناء القارة، إلا أنه يدفعهم دفعاً إلى المقاومة والعصيان.
فلقد ثرنا على أنفسنا ومحونا وصمة الذلة فينا
الملايين أفاقت من كراها ما تراها
خرجت تبحث عن تاريخها
بعد أن تاهت على الأرض وتاها
فانظر الإصرار في أعينها وصباح البعث
يجتاح الجباها.
أما على المستوى الرمزي فقد واكب الفيتوري شعرية الزنوجة، إذ يقول:
أنا زنجي
قلها لا تجبن
قلها في وجه البشرية
أنا زنجي
وأبي زنجي الجد
وأمي زنجية
أنا أسود
أسود لكني حرٌ امتلك الحريّة.
فهذا التطهُّر الإنساني المباشر قد تحوَّل لدى الشاعر إلى أيقونة غامضة وفريدة:
«ربما لم تزل تلكم الأرض تسكن صورتها الفلكية لكن شيئاً على سطحها قد تكسر
ربما بستان صيفك أبيض في العواصف لكن برق العواصف خلف سياجك أحمر.
ربما كان طقسك ناراً مجوسية في شتاء النعاس الذي لا يفسر
ربما كنت أصغر مما رأت فيك النبوءات أو كنت أكبر».
ولقد استخدم الشاعر لأداء هذه التجربة عدة تقنيات منها:
-1 الإقرار أو الاعتراف بما فيها من لغة حميمية ومحاولة خلق علاقة مع الآخر مثل قصيدة «أصبح الصبح»:
أصبح الصبح وها نحن مع النور التقينا
التقى جيل البطولات بجيل التضحيات
التقى كل شهيد بشهيد
لم يزل يبذر في الأرض بذور الذكريات.
-2 القصيدة كأنها خطاب موجه إلى الآخر، وهذا يستدعي لغة حادة وعنيفة وواضحة في الآن ذاته، كما يكثر فيها استخدام أدوات النداء والحوار، وأن تكون الدلالة مشتركة بين الشاعر والمتلقي مثل:
يا أخي في الشرق في كل سكن
يا أخي في الأرض في كل وطن
أنا أدعوك فهل تعرفني؟
ولم يقتصر دور الفيتوري على تحرير الوعي الكلي لإفريقيا بل امتد للوعي العربي، فقد انحاز مبكراً للثورات ذات الطابع القومي التي كانت تدعو إلى العدالة الاجتماعية، وقد استطاعت أن تدفع الطبقة المتوسطة إلى إدارة شؤون البلاد مما خلق نوعاً جديداً من الوعي وممارسات مادية جديدة كانت كلها تسعى إلى تحقيق حداثة ما تتقاطع من اللحظة الراهنة، فهو يقول:
تبقى أمة عربية رفعت مصاحفها على راحتها وتدفقت موجاً من الأمجاد
تبقى رغم ما حشد الصليبي المعربد تحت رايته
وما استقوى به الموتور والمأجور والجلاد
تبقى الأرض والأوتاد
تبقى فرحة الميلاد.
ومن الإشكاليات التي تسيطر على الخيال والذهن العربيين مشكلة فلسطين، فهي التي تخلق الوحي الشقي، وهي التي تدفع المبدعين إلى اكتشاف أشكال جديدة للأداء:
دوي نفير الثأر يا جراح عشرين سنة
نجمة إسرائيل فوق المئذنة
فمن إذن يا وطني
ينهض إلى الصلاة
بينما حوافر اليهود تدوس سقف المسجد الأقصى
وخوذات الجنود تطال المطران العابد والشماس.
إن أسطورة فلسطين هي أسطورة الذات المجروحة التي تمارس فعلها باستمرار، ولم يستطع الفيتوري في كل تجربته أن يغفلها ولو لحظة حتى في طورها الأخير، ففي قصيدة طفل الحجارة، يكتب:
ليس طفلاً ذلك القادم في أزمنة الموتى إلهي الإشارة
ليس طفلاً وحجارة
ليس بوقاً من نحاس ورماد
ليس طوقاً حول أعناق الطواويس محلى بالسواد
إنه طقس حضارة.
إن فعل المقاومة هنا ليس عبثاً، إنه قانون الحضارة التي تعلي من قيمة الحرية والعدالة (إنه العدل الذي يكبر في صمت الجرائم)، ثم يذكر أسباب الكارثة:.
إنها الأرض التي لم تخن الأرض
وخانتها الطرابيش
وخانتها العمائم
إنه الحق لم يخن الحق
وخانته الحكومات
وخانته المحاكم.
ثم يمارس نقداً عنيفاً للاستبداد العربي الذي صاحب تلك الثورات:
قد مرّ طاغية من هنا ذات ليل
أتى فوق دبابة
وتسلّق مجداً
وحاصر شعباً
غاص في جسمه
ثم هام بعيداً
ونصب من نفسه للفجيعة رباً.
ثم يصل الشاعر إلى الذات العربية في طور اكتمالها من خلال أحد رموزها الفاعلين وهو المتنبي وإن اعتمد في رؤيته على ما هو تاريخي وعلى الصوفية في العلاقات فظهرت الذات وكأنها قادرة على خلق الممالك والأساطير:
كانوا ملوكاً على أرض ممزقة يجوع على ثراها النبت والبشر
كانوا ملوكاً مماليكا وأعظمهم تحت السماوات
من في ظلك استتروا
ورحت تنفخ فيهم منك ترفعهم فيسقط البعض أو تبني فينكسر،
أردت تخلق أبطالاً تعيد بهم عصر النبوة والرؤيا فما قدروا.
إن الفيتوري أحد رواد شعر الحداثة بما قدَّم من تجربة متميزة ولها خصائص فريدة من أهمها اللغة الحيّة والخيال القريب الذي لم ينفصل عن الواقع، ونستطيع أن نسميه بوضوح شاعر الثورات المغدورة.
إرسال تعليق