حين نشرنا مقال "السلوك التعويضي للشخصية السودانية" لم نكن نعرف كاتب النص .. ولكن بعد أن قام فريق الصحيفة بالبحث والتقصي توصل إلى صاحب النص وهو المهندس السوداني أيمن الشريف
وها نحن ننشر له مقال آخر منقول من صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك
سايكولوجي: لماذا يجد الفرد السوداني نفسه تحت دائرة الاتهام؟
ولماذا يجد ان عليه ان يدافع -باستمرار- عن نفسه وعن شعبه امام الاخر؟ وهل يقتنع هذا الاخر “الذي يقوم بالاتهام” فعلا؟ ام انه “بدلا” عن الاقتناع “يبحث” عن اتهام اخر جديد؟ هل يا ترى انه يبحث عن حقيقه فعلا؟ ام انه فقط يرغب بوضع الفرد السوداني في خانة المدافع عن نفسه دائما وابدا؟؟ ثم من هو الملام على استمرار “هذه الدوامه” .. الاخر ام الفرد السوداني؟؟في خضم الحديث عن السلوك التعويضي للشخصية السودانيه تجاه الاخر العربي “راجع البوست السابق” .. برزت “نقطه جدليه” تتحدث عن ان الفرد السوداني يجد نفسه “اتوماتيكيا” مجبرا على الدفاع عن نفسه بمجرد وصوله الى تلك الدول .. وان كل هذه السلوكيات التي “ناقشها البوست السابق” ما هي الا رد فعل لسلوكيات اخرى “مقابله” يتعرض لها السوداني هناك ولا يتعرض لها الاخرين .. اي انه يجد نفسه -و دون رغبته- في مواقف يجب عليه فيها الدفاع عن نفسه وعن شعبه .. هذه الجدليه والتي تبدو ظاهريا كمغالطه منطقيه تستخدم في العاده لتبرئة الشخصيه السودانيه من وطاة الاضطراب السلوكي الثقيل الذي انبنى على تلك السلوكيات “الملاحظه” والتي لايمكن انكار وجودها باي حال من الاحوال .. وقد وصل الامر الى درجة القاء كامل اللوم في هذا الموضوع على الاخر بحجة انه هو من يتسبب بردود الافعال تلك ابتداء. فماهي حقيقه هذه الدوامه -ان كانت هناك- حقيقة؟؟
خلفيه سايكولوجيه:
في العام 1982 نشر عالما اجتماع امريكيان دراسه اجتماعيه بعنوان “The Broken Windows Theory ” اي “نظرية النوافذ المكسوره” .. ولشرح هذه النظريه تخيل ان لديك بنايه وهذه البنايه بها عدد من النوافذ المكسوره .. تقول هذه النظريه ان الساكنين في هذه البنايه والذين يسكنون حولها .. والذين يمرون بها يشعرون انه لا مشكله ان هم قاموا ايضا بكسر احد النوافذ السليمه بها .. لأنك تعطي انطباع انه “لا غضاضه” من وجود نوافذ مكسوره بالبنايه .. ثم شيئا فشيئا ستبدأ الرسومات والخربشات تظهر على واجهات البنايه .. ثم تظهر السرقات بالبنايه .. وقد يتمادى البعض فيعتبرونها “مسرحا” جيدا لارتكاب الجرائم وقد يصل الامر الى حرق ودمار البنايه كلها في نهاية المطاف.ومن الامثله الشائعه ايضا التي يتم توضيح هذه النظريه بها هو انه ان كان هناك ميدانا عاما لايتم تنظيفه .. فستتراكم عليه الاوساخ شيئا فشيئا .. ثم سيبدأ الاخرون برمي بعض الاوساخ الخفيفه عليه .. ثم سيتحول هذا الميدان في نهاية المطاف الى مكب نفايات عام لايتورع احد في تفريغ نفاياته به.
وعلى الرغم من الاستخدام الواسع لهذه النظريه في علم الجريمه (Criminology) الا انها ايضا من الادوات الجيده في تفسير الكثير من الظواهر المجتمعيه التي يصعب فيها تحديد “منشأ” سلوك معين .. فالفرد السوداني الذي يجد نفسه مضطرا للدفاع عن نفسه (بنايته) انما هو يدفع ثمن سلوك افراد سودانيين اخرين ساهموا بسلوكياتهم علي تحفيز الاخرين على مهاجمة تلك(البنايه السودانيه) دون غيرها .. اي ان الاجيال الاولى من المهاجرين السودانيين او ان الافراد التي “سبقتك للتو” في التعامل مع هذا الفرد الاخر لم تكن تتصرف وفق سلوك سليم يحمي هذه البنايه كما فعلت بقية الجاليات.. فاصبح هذا الاخر يقوم بمهاجمة هذه النوافذ “دائرة الاتهام” باعتبارها شيئا عاديا ومقبولا.
قد يقول قائل: ان ردود فعل السودانيين ودفاعاتهم المستخدمه ضد كفيله بصد الهجوم على هذه البنايه.
ولكن بقليل من النظر يمكن اثبات خطل هذا الامر .. تخيل معي ان لديك متجرا للمجوهرات .. وان هذا المتجر مكسور النوافذ ومفتوح الباب .. بالتأكيد سيحاول الكثيرون سرقة متجرك .. ولحل هذه المشكله تخيل انك قمت بتعيين حارس امن ليقوم بمراقبة المتجر من الناحيه المقابله للشارع لحماية متجرك .. نعم قد ينجح هذا الحارس في صد معظم محاولات السرقه او قد ينجح فيها كلها .. ولكنه ابدا لن يمنع قيام محاولات السرقه .. فما دامت “النوافذ مكسوره” و”الباب مفتوح” سيفكر “الجميع” بسرقتك .. وسيكون على الحارس ان يكون في “حالة دفاع عن نفسه” اقصد دفاع عن متجرك دوما وابدا.. ولايمكنك هنا لوم “السارقين” باعتبار انهم “هم من يقومون” بالسلوك السيئ ابتداء .. او لوم “الحارس” .. ولكن بكل تأكيد ستلوم “صاحب المتجر” .. الذي بدل ان “يصلح نوافذه” قام بتوظيف حارس للقيام “برد الفعل”.
وهذا بالضبط ما تفعله الشخصيه السودانيه في التعامل مع هذا الامر .. تتجاهل مناقشة ومعالجة الاسباب الحقيقه .. وتتفرغ لرد الفعل .. وقد يصل بها الامر الى درجة لوم “السارقين” وتبرئة صاحب المتجر.
وكمقاربه اخرى لشرح تفاعلات هذه النظريه فانه من الملاحظ في الثقافه المحليه السودانيه.. ان عبارة “ممنوع البول” التي توجد في الاسواق الشعبيه هي في الغالب تعتبر “الدليل المثالي” لأنسب الاماكن “للتبول” في تلك الاسواق .. فطالما ان هذه الاماكن متسخه وتمتلئ بالقاذورات .. فان الجميع يفضلها عن غيرها “كمسرح لهذه الجريمه” .. وللغرابه فان هذه العبارات التحذيريه-التي تمنع- لا تعني شيئا مطلقا !! ولا يكترث بها احد!! .. وقد “يحتار” صاحب الارض -الذي لا يدري ديناميات السلوك الجماعي للبشر- من انه كيف لا تتوقف مثل هذه السلوكيات وقد قام هو بكتابات تنهي عن ذلك بالخط العريض؟؟ وبأمر من المحليه!! وتزداد “حيرته” تعقيدا حينما يرى ان جاره “والذي يحافظ على ارضه نظيفه” لا يتعرض لمثل هذه السلوك على الرغم من انه لم يجتهد بكتابة اي عبارات تحذيريه على ارضه.
وهذا يفسر لماذا لا يجد ابناء كثير من الدول “غير المعروفه” والتي ليس لها “اله اعلاميه ضخمه” انفسهم مطالبين بتوضيح او شرح ..لا يجدون اي اتهام ضدهم .. لا يجدون ان هناك “فعل” ضدهم اساسا للقيام “برد الفعل” اللازم.
إرسال تعليق