الرئيسية » , , » أيمن الشريف : "كتابات في مؤسسة الزواج: استراتيجيات التكاثر لدى الجنسين"

أيمن الشريف : "كتابات في مؤسسة الزواج: استراتيجيات التكاثر لدى الجنسين"

تم النشر يوم الاثنين، 6 أكتوبر 2014 | 12:06 م

وُجد مفهوم الزواج كعقد اجتماعي منذ القدم .. وُجد قبل الاديان .. وتجده في جميع الاديان .. وتجده -بصورة من الصور- في كل المجتمعات التي لاتدين بشيئ .. فماهو هذا العقد؟ ولماذا نشأ؟ وكيف دعت له الحاجه؟

الزواج هو "عقد" اجتماعي يهدف الى "تنظيم" العلاقه بين الجنسين .. هو وسيلة الانسان المبتكره للحفاظ على استراتيجيته في التكاثر .. وحسب هذا التعريف... وبما انه عقد فهو يتضمن -بالضروره- تنازل عن حق واكتساب لحق .. والا لم يكن هناك داع لوجوده ابتداء.. كما ان هذا يعني -ضمنيا- ان هناك اختلاف بينا في الاستراتيجيه التكاثريه لدى الجنسين (حتمت) وجود عقد يوفق بين تعارضاتهم .. فعن اي شيئ تنازلت هذه الاطراف؟ وماذا اكتسبت في المقابل؟ وفيم تتعارض هذه الاستراتيجيات؟ للاجابه على هذه الاسئله ينبغي ان نفهم اولا استراتيجية الانسان ككائن حي في التكاثر ..مثله مثل بقية الكائنات الحيه.
******************************************

يقول علم الاحياء ان الرجال يعتمدون في استراتيجية التكاثر على مبدأ انتاج وتوزيع اكبر عدد من الجينات وتشتيتها على اكبر نطاق ممكن -تماما كما تفعل العديد من النباتات والمحاصيل- .. ولهذا يولد الرجال و لديهم الجاهزيه البايولوجيه "الفنيه" التي تمكنهم من القيام بدورهم هذا على مدار السنه وفي كافة الفصول والاماكن .. التوزيع والتشتيت هذا قد يكون مكانيا وقد يكون نوعيا (اثنيا)... اما مكانيا فهذا يفسر-مثلا- سلوك الرجال بصوره عامه في الترحال او ما يشعرون به عند انتقالهم الى مدينه غريبه وجديده عليهم ولدينا ايضا في الموروث السوداني العديد من المقولات الشعبيه التي تدعو الى بوضوح الى دعم فكرة توزيع الجينات مكانيا "في كل بلد ولد" او تدعو الى عدم التحفظ والاستحياء "بلدا ما بلدك .."
اما نوعيا فهذا يفسر-مثلا- لماذا كان الملوك في العصر القديم يتزوجون من نساء القبائل والممالك الاخرى (اضافة لنساء قبائلهم) و لم يكن طبعا هذا بسبب نقص في اعداد نسائهم.
الاستراتيجيه الذكوريه للتكاثر "عقلية الانتاج والتشتيت والتوزيع" هذه ولأنها تتعارض و تتناقض بوضوح مع الاستراتجيه الانثويه للتكاثر -كما سنعرض لاحقا- وجدت الاستهجان والاستحقار الشديد من طرف العقل الجمعي النسائي على مر الازمان ... منذ بدايات الانسان الاولى وحتى زماننا هذا .. فما انفك الرجل متهما "بالعين الزايغه" حتى يثبت "زهد عينه". ولا يزال "ضمان الغربال" اصدق من "ضمان الرجال" ثم اصبح اي سلوك قد بشير الى هذه العقليه سلوكا مدانا مجتمعيا.. جرما في حق الجميع لايجب الحديث عنه .. هذا الوضع خلق تناقضا بين تفكير الرجل الطبيعي تجاه خدمة استراتيجيته في التكاثر هذه وبين التقييد المجمتعي ووصمة العار التي صنعتها النساء تجاه هذا السلوك عبر ملايين السنين .. هذا التناقض دائما وابدا يضع الرجال المتزوجين في دائرة "خنقه" و "ضيق" يشعر معها الزوج بان "كل" النساء الاخريات هن "اكثر جاذبية" من زوجته التي "كان" يراها اميرتهن قبل الزواج .. وليست هذه الظاهره "المنتشره" مستغربة عند فهم استراتيجية الرجل البايولوجيه للتكاثر. وهذا احد اهم اسباب عدم الاستقرار الاسري في كل المجتمعات.. ولم تراعيه جميع الحركات الفكريه.. حيث لم اجد له معالجة او تدبيرا في كل الثقافات والاطر المجتمعيه والاديان .. الا في الدين الاسلامي حيث يحق للرجل الزواج من 4 نساء في نفس الوقت وهو اعتراف واضح بالتركيبه البايولوجيه التكاثريه عند الرجل.
*******************************************

ولكن لماذا سعت النساء عبر القرون لتحجيم الاستراتيجيه الذكوريه وكبحها بشتى الطرق والوسائل ، المعلنه منها والضمنيه؟؟ ماهو الدافع؟؟ وكيف يخدم ذلك الاستراتيجيه الانثويه؟؟ لفهم ذلك ينبغي ان نفهم الاستراتيجيه الانثويه للتكاثر اولا.
*******************************************

يقول علم الاحياء ان استراتيجية النساء للتكاثر لا تشبه استراتيجية الرجال لذات الغرض.. فهي لا تعتمد على كثرة الانجاب او التوزيع والتشتيت .. فلا يمكن للمرأه ان تنجب 1000 طفل لتتوقع نجاح عدد منهم حسب قوانين "الاحتمالات" .. بينما يمكن للرجل -نظريا وعمليا- فعل ذلك. هذا الاختلاف فرض على النساء ما يعرف بضمان النجاح التكاثري اي "اللا احتمال" وهو يعني ان المراه- لانها لا تستطيع انجاب الكثير- فان جل تركيزها ينصب على ضمان نجاح مولودها .. وهذا يفسر تردد النساء المبالغ فيه "من وجهة نظر الرجال" عند التفكير في الدخول في علاقه .. و"التفحيص والتمحيص" والاختبارات التي تخضعها لاي رجل قبل اقامة علاقه معه .. وذاك مبرر لانه ليس هناك مجال لاحتمالات .. ف"المخاطره كبيره" .. عكس الرجال الذين يختبرون النساء عموما بدرجه اقل، لأنه في الاخير "المخاطره قليله". او قد لا يختبرون اصلا في كثير من الحالات ولدينا في الموروث الشعبي ايضا ان "الفحل مو عواف".
حتى هذه النقطه لا يبدو هناك تصارعا واضحا بين كل استراتيجيه .. فلكل طريقته الخاصه التي يتبعها في التعامل مع الامر .. وهي لا تعني الاخر كثيرا .. فكيف اذن نشأ التعارض؟؟
******************************************

في قديم الزمان كان الرجال يقيمون العلاقات مع النساء ثم يتفرغون لامورهم و نشاطاتهم الرجاليه القحه ..الصيد والاستكشاف والترحال والمغامره والقتال والتسابق و"البحث عن نساء اخريات" .. عدم الثبات الذي تتطلبه الاستراتيجيه الذكوريه يتعارض مع الاستقرار والانتظام واللا احتمال .. الذي هو أس الاستراتيجيه الانثويه.. فاصبحت النساء تعاني كثيرا جدا في اطعام وحماية الاطفال لسببين .. الاول هو وجود عدد كبير من الاطفال للرجل الواحد من نساء مختلفات وهذا يحد كثيرا جدا في نصيب الطفل الواحد من الغذاء كما تصبح عملية تنشئة كل هذا العدد وحمايته امرا صعبا .. لدرجة اصبح معها ضمان النجاح التكاثري الانثوي امرا صعب المنال .. والسبب الثاني هو ان تلك النشاطات الرجاليه مع اقرانه كانت تتطلب كثيرا من الزمن .. كان خصما على عملية التنشئه هذه.. ترسخت تلك المفاهيم ضد الطبيعه الذكوريه عبر الزمن جيلا بعد جيلا حتى انه لا تزال نساء هذا العصر-مثلا- لا تتقبل خروج زوجها مع اصدقائه مهما كانت الاسباب مقنعه .. وحتى هي نفسها لا تجد لذلك الرفض سببا واضحا معينا.
فكيف اذن يمكن الخروج من مأزق هاتين الطريقتين المتناقضتين للتكاثر (الاختمالات واللا احتمال)؟
******************************************

وفي ذاك الزمن القديم نفسه اخترعت النساء مؤسسة الزواج، وذلك لضمان النجاح التكاثري الانثوي .. اهم بنودها تنازل الرجل عن غريزة تشتيت الجينات -استراتيجيته البايولوجيه- او ما يعرف هذا البند اليوم بمفهوم "الالتزام" .. مقابل ان تكون الزوجه متوفره ومتاحه ومستعده له طول الوقت وفي كافة الظروف "للتعويض" عن تنازله هذا و"لمقابلة" متطلبات استراتيجته المستبعده.
البند الثاني هو ان يقوم الزوج بتوفير الغذاء والحمايه للزوجه ولاطفالهم .. مقابل ان تقوم هي بالاعمال المنزليه المختلفه من اعداد للطعام وتجهيز للمنام وخلافه .
ثم منعت النساء جميع العلاقات خارج هذا العقد .. ووصمت تلك العلاقات بما يعرف في زماننا هذا بالعار -في الاصل تكتيك لحماية سياسة ضمان النجاح التكاثري- ودمغت كل من تقوم بالخروج عن ذلك القانون الاجتماعي من النساء بمسميات ترسخت عبر الزمن لتصبح اكبر مخاوف الانثى اليوم. واقساها على نفسها. وهي ان تصبح خارجه عن ذلك القانون الاجتماعي .. لا لشيئ الا لعلمها -على مستوى اللاواعي لديها- انها بفعلتها هذه ستهزم مجهودات ضمان النجاح التكاثري الانثوي في نهاية الامر.
وبهذا الاختراع (عقد الزواج والعار) حجمت النساء الاستراتيجيه الذكوريه وحافظت على الاستراتيجيه الانثويه دون تنازل حتى خمسينيات القرن الماضي حينما حدثت تغييرات جذريه القت بظلالها على فكرة عقد الزواج.
*****************************************

بعد قيام النهضه الصناعيه في اوربا وقيام الدوله الحديثه التي تحمي الجميع في الغرب .. وتحسن الاوضاع الاقتصاديه وذهاب النساء للعمل ودعم الدوله للشرائح الضعيفه كالأطفال لم تعد ترى النساء في الحضاره الغربيه -ممثلة في حركات الفيمينزم- جدوى من استمرارية هذا العقد الاجتماعي القديم بل شتمته باقذع الالفاظ .. فهو مرادف للقسوه والسيطره والظلم و هو دلاله على "التسلط الذكوري" و"البطرياركيه البغيضه".. فتم تمزيق هذه الوثيقه -الوريقه- في ستينات القرن الماضي فيما ظل يعرف بثورة "الانحلال الاخلاقي" حيث لم يعد الزواج منظما للعلاقه بين الجنسين علنا ولم يعد الالتزام جزءا من العلاقه.. المدهش في الامر ان الرجال لم يعترضوا على ذلك مطلقا .. فعدم الالتزام تاريخيا هو اساس النجاح التكاثري للرجل.
ولكن لم يمض وقت طويل حتى ظهر جيل كامل من البشر لايعرف له اب معين ومعه ظهرت الكثير من المشاكل التي لم تكون ماديه ولا تتعلق بذلك -فالدوله اصبحت تقوم بذلك الدور الان - ولكنها كانت مشاكل معنويه -ان جاز التعبير- فقد ظهر انه من الاجدي لاطفالهن ان ينشأوا تحت ظل ظروف اسريه مستقره .. اي وجود ابائهم معهم .. بغرسون فيهم المفاهيم الذكوريه البحته لمواجهة الحياه.
فأدرك العقل الجمعي النسائي فداحة الخطأ بالتحرر من عقد الزواج فعاد مطلب الزواج من جديد "كمطلب اساسي" في ثمانينيات القرن الماضي ولكن بشروط مغايره هذه المره:
1. يتنازل الرجل عن استراتيجيته التكاثريه أي "ان يلتزم" مقابل أن "تلتزم " المرأه ايضا بذلك فقط .. فقد (اوهمت) الحركه النسائيه الرجال بانهم "متساويين" في هذا .. فان خسر الرجل نتيجة لالتزامه شيئا خسرت هي ايضا بالتزامها ذات الشيئ " مع العلم ان الالتزام لايعني للمراه مثل ما يعنيه للرجل. لانها تختار شريكها بعنايه منذ البدايه من اجل الانجاح ولا تعتمد على الكثره من اجل الانجاح ".
2. نتيجة للبند الاول لم يعد "توفرها له" في اي وقت حقا اصيلا من حقوق الزوج -كما في النسخه القديمه للزواج- وانما حسب ما تراه الزوجه مناسبا وكمثال لذلك "حالة رجل الاكسل شيت الشهيره مؤخرا" (Google: spreadsheet man case)
3. توفير المتطلبات الحياتيه (الكبيره) لازالت هي مهمة الرجل. ولكن (اوهمت) الحركة النسويه مرة اخرى الرجل بأن الاعباء المنزليه ينبغي "اقتسامها بالتساوي" وذلك للعداله.
4. في حالة فض هذا العقد ينبغي اقتسام ثروة الزوجين بينهما بالتساوي.
ويبدو جليا ان حكمة هذا الجيل من النساء لم تكن نافذه كما حكمة نساء الزمن القديم .. فقد ادى هذا الوضع غير المتوازن الى كثرة حالات الطلاق وكثرة حالات الغش وبروز ظاهرة الsingle moms والى كره الرجال لمؤسسة الزواج وظهور تيارات رجاليه تدعو الى العزوف عن الزواج نهائيا او تاخيره كثيرا على اقل تقدير.
********************************************

في السودان لازلنا في النسخه الاولى من الزواج (v 1.0) .. ولكن هناك الكثير من الاصوات النسائيه المثقفه الناقمه التي تهاجم بنود معينه في هذه المؤسسه بدعوى المساواه ورفع الظلم وتتغاضى عن بقية البنود .. وفي غضون سنوات قليله قد ينفرط عقد الاستقرار الاسري النسبي الذي نعيش فيه الى حالة من الفوضى التي قد تؤدي الى نشوء نظم غير متوازنه استراتيجيا وبالتالي غير مستقره .. وكل ذلك تحت دعاوى التساوي والعدل.





_________________
نقلاً عن صفحة المهندس أيمن الشريف على فيس بوك
شارك الموضوع :

إرسال تعليق

 
جميع الحقوق محفوظة لموقع (عين السودان) الإخباري الوثائقي