الجمعية السودانية لحماية المستهلك |
تبرأ من كونه عرّاب التحرير الاقتصادي..حمدي :"إنعل" أبو المؤتمر الوطني
وجاء بطي الخبر ما يلي :-
تنصل الخبير الاقتصادي، وزير المالية الأسبق، د. عبد الرحيم حمدي، من سن سياسية التحرير الاقتصادي، معترضاً على تنصيبه عرابا لها وقال: (لست عرابها لأن السياسة لا يضعها فرد، ووضعتها مع آخرين في ظروف موضوعية بهدف حل مشاكل الاقتصاد السوداني).
وطالب حمدي في منتدى جمعية حماية المستهلك، يوم السبت، بتحرير سعر الدولار تجنباً لتبديد ثورة دولارية هائلة خارج الدورة المصرفية وفي السوق الموازية "السوداء".
وطالب حمدي الحكومة بالالتفات إلى الشأن الاقتصادي والتوقف عن الحوار الوطني باعتباره مضيعة للوقت، الى تحرير سعر الصرف مع الابقاء على الدعم، والحد من الفساد علاوة على إنفاذ برنامج تدخل سريع لزيادة السلع الاساسية.
وشهد المنتدى حدثاً غير مسبوق، حيث طالب المشاركون د. عبد الرحيم حمدي بطرح المقترحات التي طرحها على حزبه حزب المؤتمر الوطني بدلاً من طرحها على الحضور، فرد بسبه للحزب الحاكم بقوله: (ما عندي شغلة بالمؤتمر الوطني، إنعل ابو المؤتمر الوطني).
وبعد قوله عبارة السب ترجى حمدي، الأمين العام للجمعية د. ياسر ميرغني، باقناع الصحافيين بتجاوز عبارته وعدم ايرادها في اخبارهم ."
وبعد ان أثار حديث "حمدي" جدلا ولغطا واسعا، نشرت صحيفة آخر لحظة في (31/8/20144) النص الكامل للورقة، حديث إستهلتها بالقول:
أثار الحديث الذي أورده السيد عبد الرحيم حمدي في منتدى حماية المستهلك ردود أفعال واسعة ووجهت إنتقادات حادة لرؤيته التي قدمها ورغم إن الصحف أوردت كثير من نقاط المنتدى إلا اننا آثرنا في «آخر لحظة» أن ننشر في هذه المساحة الورقة الكاملة التي قدمها حمدي وهي بلا شك تعكس الى حد كبير رؤيته لمآلات الوضع الاقتصادي السابق والحالي.
ما هي أسباب هذا التدهور المريع لأداء نموذج السياسة التحكمية الاقتصادية؟
الحرب المستمرة تذكرون مقولة الحرب تكلف الحكومة مليون دولار يومياً والمدن تتساقط «باريس سقطت فما بال توريت -عبارة عمر نور الدين الدائم الشهيرة»، والاحتراب السياسي المرير على السلطة، وإهمال التنمية رغم «سهولة» الاقتراض، وسوء الإدارة على مستوى الخدمة المدنية التي كان يمكن أن تعوض فقدان الإدارة السياسية، والفساد الإداري السياسي.
الخلاصة
الصورة الديناميكية للاقتصاد قبل الإنقاذ كانت كالآتي :-
أولاً
وجود الجزء الأكبر من الاقتصاد في قبضة دولة ضعيفة وفاقدة القيادة، وبدون موارد كافية، إلى جانب بروز الفساد الإداري والسياسي - الفضائح المعروفة في «منافسسة الأحزاب على وزارة التجارة، أزمة أبو حسبو! صفقة القاطرات، محطة الأقمار الصناعية، السفنجات، رخص تحت الشجرة... الخ».
ثانياً
اعتماد شبه تام على الاستدانة من موارد دولية خارجية لسد عجز مواردها، وكان الاعتماد أساساً على دول الخارج وبالتالي اعتماد على وصفاتها الاقتصادية، التخفيضات المستمرة للعملة ورفع الضرائب بصورة مستمرة.
ثالثاً
غياب تام للعناية بالفقراء وذوي الدخل الثابت «أهدافاً وآليات» مما جعل معاناة الجماهير كبيرة جداً!
هذا الواقع هو الذي شكل القماشة التي فصلت منها الإنقاذ معالجتها للوضع الاقتصادي، كيف؟
أدى التحليل البراغماتي «وليس الآيديولوجي» للوضع الاقتصادي إلى تبني ما سمي لاحقاً «البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي»:
لابد من إيقاف التدهور الاقتصادي بإجراءات قوية، التعبير الذي استخدم كشعار للبرنامج هو «تحريك جمود الاقتصاد السوداني» لأنه وصل إلى مرحلة الجمود التضخمي منذ مدة، وتحديد إستراتيجية واضحة لقيادة هذا التحرك وهي الزراعة كقاطرة باعتبارها القطاع الأكبر حينذاك إنتاجاً وعمالة وصادراً ودعماً لآليات التجارة والتوزيع وأن يتم هذا التحريك بالاعتماد على الذات والموارد الوطنية «إيقاف الاعتماد على الخارج».
ودعم الفئات الضعيفة التي سوف تتأثر بالإعادة الهيكلية التي ستتطلبها إجراءات تحريك الاقتصاد.
هذه هي الأهداف الثلاثة المعروفة للبرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي، ولا أظن أننا سنختلف كثيراً عليها في ذلك المحتوى، وقد نختلف على الوسائل حجماً وكماً وتواتراً.
ما هي الوسائل التي تبناها البرنامج الذي اصطلح فيما بعد على تسميته بسياسة التحرير؟
خروج الدولة من العملية الإنتاجية، وإدخال القطاع الخاص بدله، أو بلغة أخرى تسليم العملية الإنتاجية للقطاع الخاص، أو القطاع المنتج، كان عائد المؤسسات العامة عندما قررنا تحويلها للقطاع الخاص «خصخصتها» هو 1% فقط، الخصخصة كانت هي الوسيلة الوحيدة الممكنة والمتاحة لإخراج الدولة من الفنادق والمدابغ، وبعض المؤسسات الاتصال، والمواصلات «سودانير، النقل النهري والبنوك ...الخ»
وجذب موارد السودانيين في الداخل والخارج وتحويلها للإنتاج، والطريق لهذا واضح وواحد وهو تحرير الأسعار، بما فيها سعر الصرف وهو سعر رئيسي يؤثر في كامل العملية الاقتصادية «ولم يكن الحل هو تخفيض السعر الذي جرب 18 مرة، ولم يؤدِ إلى زيادة الإنتاج للتصدير».
الأسعار كانت محكومة إدارياً لصالح أهل المدن ولصالح الطبقات الغنية، ولهذا أفقرت الريف وطفشت المزارعين، وعندما قامت الثورة كان المزارعون مضربين.
وجهت الدولة موارد جديدة للزارعة لتحركها مثل:
(1) قرض الراجحي وسياسة جديدة للقروض التجارية.
(2) توجيه موارد البنوك للتمويل الزراعي «بتخصيص 50% من محافظها» وإنشاء صندوق دعم الزراعة الذي دمج لاحقاً في البنك الزراعي وقيام بنك المزارع.
(3) إعفاء الزراعة من الضرائب (1% فقط والإعفاء الكامل تم في 2001)
(4) تحرير أسعار القطاعي والجملة للزراعة ورفع أسعار القطن.
(5) إعطاء المزارعين 50%من مقاعد إدارات المؤسسات«إصلاح مؤسسي».
وبالنسبة لقطاع الخدمات
1- حررت الأسعار
2- ألغيت سياسات الكوتات والرخص
3- فك «الاحتكار» الفعلي أو القانوني للدولة في إنشاء مؤسسات الإنتاج للسلع والخدمات، وأصبح بمقدور أي شخص إنشاء مؤسسات خدمية «توليد الكهرباء، إنشاء شركات اتصالات، إنشاء مؤسسات تعليمية أو صحية». بدل 3 مستشفيات قامت 100 مستشفى، وبدل 3 جامعات قامت عشرات الجامعات.
4- بيعت مؤسسات الدولة للقطاع الخاص «محلي أو أجنبي»، وبالنسبة للقطاع المالي تم تحرير سعر الصرف وتسليمه للقطاع الخاص لإدارته، وتم رسم سياسة جديدة للاقتراض التجاري واجتذاب الاستثمار قانون فبراير 1990، وبدأ مبكراً البحث عن موارد جديدة «البترول» وتم إصلاح هائل في المجال الضرائبي وأقرت سياسة تمويل التنمية بالعجز وهي سياسة تضخمية ولكنها كانت ضرورية.
وبالنسبة للقطاع الاجتماعي أنشئت عدة صناديق اجتماعية لصالح القطاع الخاص والعام وزيدت مساهمات الدولة والمستفيدين في صناديق المعاشات والتأمينات، ولاحقاً تم إنشاء التأمين الصحي، وصناديق دعم الطلاب والشريعة، وأنشئت وزارة كبيرة للرعاية الاجتماعية.
هذه هي المعالجات الرئيسية في مجال الوسائل تمت بتدرج كمي ونوعي عبر سنوات طويلة وفي ظروف حرب وجفاف وتصحر ولاحقاً ظروف حصار اقتصادي.
ماذا كانت النتائج؟
تحرك الاقتصاد بقوة من تحت الصفر إلى 13%نمو في العام الأول و11% بعده ثم 9%واستمر ينمو بمعدل 6% -7% في كل سنوات الحرب ولكنه يهبط إلى أقل من ذلك أحياناً وكل هذا قبل ظهور البترول، وبعد ظهور البترول وتوقف الحرب تضاعف الناتج المحلي الإجمالي 6 مرات في الفترة 2003-2009 ( بشهادة البنك الدولي، وتقديري الخاص أن الدخل القومي نما خلال سنوات الإنقاذ بأكثر من 10 مرات وتدفق الاستثمار الخارجي عليه من الدول والخواص بأكثر من ضعف كل ما ناله من قروض (30 مليار دولار استثمار مقابل 15 مليون دولار اقتراض من الغرب.حصل «المنتجون» على حريتهم في تنمية مواردهم وتحديد دخولهم، أي عائد نشاطهم «بتحديد أسعارهم»، وتوجهوا نحو الإنتاج بقوة فازدهرت قطاعات ولم تزدهر أخرى بنفس النسبة، فقد ازدهر القطاع الزراعي والحيواني، ازدهر الحيواني من 11% إلى 20%من GDP وزادت الرقعة الزراعية من 11 مليون فدان إلى أكثر من 40 مليون فدان، وزاد قطاع الخدمات «الآن هو الأكبر»، وتعثر قطاع الصناعة «عدا البترول والتعدين الآن»، وتم ذلك رغم انقطاع موارد التمويل «ولكن استبدل بها الاستثمار القادم من الشرق» وهذه نتيجة مهمة للغاية، المقابل لهذه الحرية هو الدكتاتورية الحقيقية عن طريق التحكم في الأرزاق، النتيجة تم تنفيذ مفهوم الحرية الاقتصادية لجموع المنتجين ولم تتدخل الدولة ولكن تدخلت أجزاء منها من باب آخر للمنافسة «لشركات الحكومية المركزية والولائية».
-زاد الدخل الفردي زيادة هائلة من 300 دولار إلى 2400 دولار الآن، وأحدث هذا آثاراً إيجابية في توفير موارد مستقلة وطنية للاستثمار والتنمية ولكنه أسهم بعد ذلك في زيادة التضخم، لأن الزيادة جاءت للأغلبية المنتجة وليس للأقلية المتلقية وتسبب في تضخم مدفوع بالطلب.
في سعيها وتفاعلها المستمر لإصلاح حالها وتقوية مواقعها، الدولة تكفلت بالأقلية داخل جهازها والفئات الضعيفة خارجها وهو قطاع يكون 10%من مجمل السكان، والأغلبية الحرة تشكل 90%وهي التي تتحكم فعلاً في النمو وفي تحديد الأسعار وهذه الحقيقة ضرورية لنفهم أي معالجات فعالة، واستطاعت الدولة بالموارد الجديدة - رغم تخفيض الضرائب - الصمود أمام تكاليف الحروب المستمرة حتى اليوم عندما تقرر حرمانها من النصر السياسي بعد صيف العبور، ولولا زيادة موارد الدولة زيادة هائلة، لانهارت.
واستطاعت الدولة أيضاً أن تدفع إلى حد كبير تكلفة الإصلاح السياسي الهائل الذي سمي بالفدرالية، وتمويل جهازي الدولة المدني والعسكري المتضخمين «زاد من 500 ألف عند بدء الإنقاذ إلى 1 مليون الآن».
واستطيع أن أقول بكل ثقة إنه لولا اكتساب أغلبية الناس المنتجين لحرية تعديل الأسعار وتحسين مواردهم لانفجرت الأوضاع، ما ينظر إليه البعض أن التعديل العام المستمر في مستوى الأسعار والذي تتأثر به الأقلية ذات الأجر الثابت والفئات التي تعاني من عدم القدرة على الكسب، على أنه شر لو لا تلك القدرة للتعديل، لحدث اختناق ضخم ولانفجرت الأوضاع الاقتصادية «مع التحديات الاخرى القائمة»، ولكن المطلوب أن يكون هذا التعديل في المستوى العام للأسعار مناسباً وبوتيرة معقولة وهذا تحدٍ أمامنا جميعاً.
خلاصة القول في نتائج سياسة التحرير المؤسسي والاقتصادي هو:
«إن سياسة التحرير مكنت الاقتصاد أن ينمو بشكل مستمر وكبير بفصل ما ناله أغلبية الناس من حرية اقتصادية لتطوير أعمالهم وتطوير مواردهم وأن تعطي الدولة من عائد ما تستخلصه من المجتمع من ضرائب ورسوم، القدرة على مجابهة تحديات الإنفاق الهائلة على الحرب والفدرالية وجهاز الدولة والتنمية الاجتماعية وجنبت بذلك البلاد عامة الانفجار والتفسخ».
ولو لا أن هذه السياسة حولت مسار الاقتصاد وإلى الاتجاه الحالي الصحيح لما استمرت طوال هذه المدة وأثبتت بذلك أنها سياسة صحيحة فهي مرشحة للاستمرار.
هل هذه نهاية التاريخ؟
قطعاً لا!
لقد حدثت ارتدادات على سياسة التحرير، أضرت بها كثيراً، وإعادة دخول الدولة من مدخل الشركات الحكومية، وإعادة التسعير الإداري للعملة في 15 أكتوبر 1993، وإعادة الدعم بعد أن انتهينا منه عام 93 حتى صار يساوي الميزانية.
زيادة تكلفة جهاز الدولة من 23%من الميزانية وصلنا إليها عام 93 إلى 72% في ميزانية 2013 وإيقاف التنمية تماماً نتيجة لذلك.
ماذا عن المشاكل القائمة الآن؟ زيادات الأسعار .. التضخم .. زيادة الدعم ...الخ؟
هذه وغيرها من السياسات والإجراءات ليست لها علاقة عضوية بسياسة التحرير ولكنها سياسات تنتج آثاراً ضارة حتى ولو كانت السياسة القائمة هي السياسة التحكمية السارية قبل 1989 وليست سياسة التحرير.هذه المشاكل ناتجة من معالجات واردة على الاقتصاد من تلقاء سياسات أخرى: استرضاء الجماهير وسعي الدولة لسياسات استسهالية لإرضاء مطالب فئات محدودة على حساب الأغلبية الساحقة، فتكون النتيجة الفشل في معالجة مشاكل الأقلية والأغلبية معاً، وتكون النتيجة هي هذا الكوكتيل المزعج من الأوضاع القائمة الآن.
إرسال تعليق